الطراز العربي للعملة الإسلامية
أشارت المصادر التاريخية إلى المحاولات الأولى المبكرة التي قام بها الخليفة عمر بن الخطاب في 18هـ لضرب الدراهم الإسلامية على غرار الدراهم الفارسية ، بعد أن زاد فيها عبارة الحمد لله أو محمد رسول الله أو لا إله إلا الله وحده ، كما أشارت المصادر إلى ضرب الخليفة عثمان بن عفان في عام 42هـ للدراهم بعد أن زاد فيها عبارة التكبير الله أكبر . كذلك قام الخليفة معاوية بن أبي سفيان (41-60هـ) بضرب الدراهم ونقش عليها اسمه . ويحتفظ المتحف البريطاني بلندن بنماذج من دراهم معاوية . كذلك ينسب بعض المؤرخين إلى معاوية بن أبي سفيان ضربه لدنانير ذهبية نقش عليها صورته وهو متقلد سيفه ، وإذا صح هذا ، يكون معاوية هو أول من ضرب صورته في العملات والنقود الإسلامية .
ويذكر المؤرخ المقريزي في كتابه شذرات العقود أن الدراهم الإسلامية المبتكرة كانت غليظة قصيرة إلى أن جاء عبد الله بن الزبير في عام 61هـ وضرب الدراهم المستديرة ، وقد نقش على أحد وجهيها عبارة محمد رسول الله ، وعلى الوجه الآخر عبارة أمر الله بالوفاء .
وقد ظل التعامل بالنقود الرومية والفارسية قائماً ، ولم تمنع تلك المحاولات السابقة من تداولها ، إلى أن جاء الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في عام 74هـ وضرب النقود الإسلامية الخالصة التي خلت تماماً من النقوش والشارات والرموز الارسية والرومية . وقد هدد الخليفة عبد الملك بالقتل كل من يتعامل بغير النقود الإسلامية ، وبعث بالسكة أي (الحديدة المنقوشة) التي تضرب عليها الدنانير والدراهم إلى أرجاء الدولة الإسلامية لتستخدم في عمل النقود ، وقد نقش على أحد وجهي الدينار أو الدرهم عبارة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعلى الوجه الآخر سورة الإخلاص {قل هو الله أحد*الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفواً أحد} وعلى الإطار الخارجي نقش الآية الكريمة {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} التوبة آية 33 ، الفتح آية 28 ، الصف آية 9 .
وعلى إطار الوجه الآخر نقش تاريخ الضرب ونصه (بسم الله ضرب هذا الدينار أو الدرهم في سنة ....) .
وعلى ذلك يعد الخليفة عبد الملك بن مروان هو أ,ل من اتخذ عملة رسمية من الذهب والفضة لا يجوز التعامل بغيرها ، ولذا لم يختلف المؤرخون العرب في نسبة الطراز العربي للسكة الإسلامية إلى الخليفة عبد الملك بقدر اختلافهم في الدافع الذي أدى به إلى عملية التعريب . وقد أشارت المصادر التاريخية إلى السبب الذي دفع الخليفة عبد الملك إلى تعريب النقود ، وهو التحدي الذي حدث من إمبراطور الروم جستنيان الثاني للخليفة عبد الملك بن مروان حين أمر الأخير بحذف العبارات البيزنطية المكتوبة على أوراق البردي المصدرة من مصر إلى بيزنطة . وعلى إثر ذلك أشار عليه أهل الرأي أن يضرب نقوداً عربية خالصة عليها شهادة التوحيد والرسالة المحمدية . واستحسن الخليفة عبد الملك هذا الرأي وأمر بضرب النقود العربية ، وصب صنجا زجاجية لا ستحيل إلى زيادة أو نقصان لتعير عليها هذه النقود وتضبط أوزانها ، وكان في هذا أبلغ رد على تحدي الإمبراطور البيزنطي .
ومهما كانت مصداقية تلك القصة ، فهي لا تنفي العمل الكبير الذي توصل إليه الخليفة عبد الملك بن مروان في تحرير دور السكة من قبضة الفرس والروم ، وأنهى بذلك سيطرة السكة الفارسية والرومية على الاقتصاد الإسلامي . ومنذ ذلك الوقت لم تعد السكة الإسلامية تدور في فلك النقود البيزنطية أو الفارسية أو ترتبط بأسعارها أو أوزانها .